كلمة سماحة السيد هادي المدرسي بمناسبة ذكرى استشهاد آية
الله الشهيد السيد حسن الشيرازي في الحوزة الزينبية بدمشق..
|

المصدر: موقع
alshirazi.com
(إِنْ
كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً
* لَقَدْ
أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا)
قال سماحة السيد المدرسي في كلمته:
في عصر يوم من الأيام حاصرت مجموعة من القتلة سيارة أجرة عادية كان فيها رجل غريب ،
بعيد عن عائلته ، بعيد عن أهله ، بعيد عن بني قومه ، فأطلقوا عليه ثلاثين اطلاقة
لتستقر في أنحاء مختلفة من جسده ، وحمل جثمانه إلى مثواه الأخير وانتهى كل شيء..
ثم تساءل سماحة السيد هادي المدرسي: لماذا بعد أكثر من عشرين عاما نجتمع لنتحدث
عنه ونسمع عنه ومنه؟ هل عند هذا الرجل من الدروس والعبر ما ينفعنا؟!
وأضاف سماحته:
إن الحياة التي نعيشها يحدها حدان؛ حد نعرفه وحد نجهله.. والحياة فيها ولادتان
وقومان .. الولادة التي لا نملك التأثر فيها ، كأن تكون من هذه العائلة أو تلك ، أو
ليس لنا الاختيار ، هذا الحد الذي نعتبره ولادة ، هو في الحقيقة وفاة ، فلقد خلقنا
في عالم الذر ومتنا ، فولدنا في هذه الدنيا.

السيد هادي المدرسي متوسطاً سماحة آية الله السيد مرتضى
القزويني
و الشهيد السعيد آية الله السيد حسن الشيرازي في جلسة لهم في دمشق
الإنسان يعيش في هذه الحياة ، ويتمنى أمورا كثيرة كأن يكون من هذه العائلة الثرية ،
أو أن يولد من أميرين ، أو.. الخ ، ولكن هل يمكننا أن نرجع إلى الوراء طبعا لا الحد
الثاني الوفاة : لم نكن قد كنا فكنا وسيأتي زمان لا نكون فيه ، فالموت في هذا العام
ينقلنا إلى عالم أوسع وارحب.
(وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
والذي يكون العمل الصالح دأبه في هذه الحياة ، سيكون الموت عرسه ، الموت ولادته
الحقيقية ، الموت سعادته التي لا مثيل لها ، اللهم اجعل حياتنا ومماتنا في سعادة ثم
اضاف سماحة آية الله السيد المدرسي موجهاً الحاضرين إلى ضرورة الوعي في التأسي
والاعتبار.. قائلا:

في حياة كل منا بلياليها وأيامها، وقعت أخطاء وعلينا الابتعاد عن تضييع الوقت
والتسويف في فرص التوبة والتوجه نحو طريق التكامل، وأن نأخذ العبرة والعظة في كل ما
حدث ومن تلك الأمثال الشهيد السيد حسن الشيرازي.
فانظروا إلى كل العظماء من غير الأنبياء والأوصياء والمعصومين ستجدون أن كل ما
عندهم هو عندنا ، فالعظماء لا يتميزون بذواتهم بل بأعمالهم.
فهذه الدنيا لها مميزات ، فكلنا نعرف أن خطرها عظيم وإن فيها الخير والشر، وان من
خصائصها أن خيرها مختلط بشرها، وصلاحها بفسادها، والموت أسهل عذاباتها، فالموت خير
لانه إذا أدرك الصالحين فسينزلهم مثواهم الأخير وهو الجنة وأن أدرك منا هو من غير
الصالحين فسيخلص الناس من شره.
ثم أشار سماحته إلى محطات من حياة السيد حسن الشيرازي في قوله:
لقد اهتم السيد حسن الشيرازي بما لا يهتم به الناس ، كما فعل مع أبناء بعض الجاليات
(الأفغانية) ،و كما فعل الأنبياء بأن اهتموا بما لم يهتم به الملوك والأمراء وأهل
السطوة والمال فكان جل اهتمامهم بالمستضعفين والفقراء والمساكين. فالأمور الكبيرة
تبدأ بالأمور الصغيرة ، ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة وتميز الشهيد بأنه وظف
رغباته لأهدافه ولم يسخر أهدافه لرغباته ، فالحكيم يتمنى ويعمل وغيره يتمنى
ولايعمل.
فقد كان يسهر ويجد فيبقى ليله يقظاً عاملا يحتسي القهوة ليقاوم النعاس ، كما انه
مات ولم يتزوج كيحيى ((عليه السلام)) فعمله وجهاده وأهدافه كانت همه ، فالحياة كدح
وتحمل وصبر ، فالأخيار في كدح والأشرار في كدح.
ثم تطرق سماحة آية الله السيد هادي المدرسي (دام عزه) إلى مشهد جمعه مع الشهيد
السعيد فيقول : كان السيد حسن في مرحلة من مراحل حياته في سجن قصر النهاية ، وذات
ليلة وأنا في بيروت وقد كنت نائما ، فسمعت هاتفا يقول لي قم سيد حسن سيعدم ، قم
وصلِّ ركعتين فاستيقظت وقلت مع نفسي لعلها أضغاث أحلام ، فعدت إلى النوم ، فجاءني
الهاتف مرة أخرى ليقول : قم وصل ركعتين سيد حسن سيعدم ، فقمت وصليت ركعتين.

وبعد مدة جاء السيد حسن إلى بيروت وقصصت له رؤياي ، فقال لي سيد حسن هل تستطيع أن
تحدد بالضبط تلك الليلة والساعة بالضبط ، فلم أقدر على ذلك. فقص لي السيد حسن
الحادثة التي تعرض لها والتي تتوافق مع تلك الرؤيا ، إذ قال : في كل ليلة من ليالي
السجن كانت تقام لنا حفلة إعدام ، فيقومون بإعدام أحد السجناء من المؤمنين أمامنا ،
وذات ليلة جاء دوري ، فاعتلوا بي المكان المخصص لتنفيذ حكم الإعدام وهموا
بالترتيبات ، ولم تبق إلا المرحلة الأخيرة التي يدفعون بها التخت الخشبي الموجود
تحت قدمي وجاءوا لي قائلين : ألا توافق على ما اقترحنا عليك ، فقلت لهم : لا ،
وكانوا قد اقترحوا علي أن أظهر على شاشة التلفزيون لاذكر أسماء ثلاثين من كبار
الشخصيات العلمائية كالإمام الصدر في لبنان ومحمد تقي فلسفي في إيران و غيرهم فانسب
لهم أعمالاً اقترحوها هم وافترضوها زوراً فكان جوابي لهم دائما بالنفي.. وما هي إلا
لحظات حتى رن الهاتف ، ليبلغوني على أثره بأن حكم الإعدام قد ألغي ، ولم اكن متيقنا
بأنهم يريدون إعدامي فعلا ، وظننت أنها مسرحية لإرغامي على الاعتراف ، ورؤياك تخبر
بأنهم وفي تلك الليلة كانوا عازمين على إعدامي ولكن الله انقذني منهم وختم سماحته
محاضرته القيمة بالقول:
أحيانا تجد الهدف ولكن تضيع الوقت في تحصيله ، ولكن الشهيد السعيد لم يضيع وقته ،
فكان أن وفقه الله على تحقيق أهدافه العظيمة ، وعلينا اغتنام الفرصة ، فإنها وكما
قال أمير المؤمنين ((عليه السلام)) : تمر مر السحاب ، فربما تعيش على جبل من ذهب
لكنك تعيش فقيرا ، فأهل الخليج عاشوا في فقر وهم فوق بحر من النفط إلى أن تم
اكتشافه فتحولت أحوالهم. فعليك أيها الإنسان أن تعرف نفسك ، فإن في داخلك الكون كله
، فقد انطوى فيك العالم الأكبر ، فالشمس فيك والقمر فيك بل كلها في خدمتك ، فعندك
كنوز عليك أن تسخرها في الجد والاجتهاد . فليس علينا أن نضع هؤلاء العظماء من غير
الأنبياء والائمة ((عليهم السلام)) نجوما في السماء فقط وانما علينا أن نعمل كما
يعملون ونصنع كما يصنعون.

إنقر هنا
للإستماع إلى
هذه الكلمة |
 |
|