قائمة المقالات

قائمة الحوارات
 

 


 

 


 

العنوان: حوار مجلة "الشهيد" مع السيد المدرسي

عام 1420 هـ

  في حوار مفتوح مع صحيفة "الشهيد" الصادرة من طهران: السيد هادي المدرسي يتحدث عن انتقال الحضارة، الحداثة، المجتمع المدني، والعولمة..

(المجتمع المدني).. جدلية المصطلح أم المعنى؟
(الجزء الثالث)

ننتقل إلى المحور الثالث وهو (المجتمع المدني) وهناك آراء مختلفة حول مصطلح (المجتمع المدني) أو (المجتمع الأهلي)، الا ترون ان هذا المصطلح هو وليد الفعل الغربي ويوجد له تعريف في القواميس السياسية؟

 

ج: يقصد بالمجتمع المدني في أدبيات كبار فلاسفة الغرب، المجتمع الذي لا يلتزم بـ(ايديولوجيا) معينة، وبهذا المعنى فالمجتمع المدني هو في مقابل المجتمع الإيديولوجي، أي المجتمع المقيد بإيديولوجيا سواءا كان دينيا أو غير ديني وانا لا أجد –بهذا المعنى- مجتمعا مدنيا كاملا لا في التاريخ القديم ولا في التاريخ المعاصر فلا يوجد مجتمع لا يخضع ابدا لأيديولوجية.

يقصد بالمجتمع المدني في أدبيات كبار فلاسفة الغرب، المجتمع الذي لا يلتزم بـ(ايديولوجيا) معينة، وبهذا المعنى فالمجتمع المدني هو في مقابل المجتمع الإيديولوجي، أي المجتمع المقيد بإيديولوجيا.. وانا لا أجد –بهذا المعنى– مجتمعا مدنيا كاملا لا في التاريخ القديم ولا في التاريخ المعاصر..

السيد المدرسي

فحتى المجتمع الماركسي الذي قام ضد الديانات السماوية واعتبر الدين افيون الشعوب فهو لم يستطع ان يقيم مجتمعا مدنيا، إنما جعل الماركسية ايديولوجية للمجتمع في مقابل الديانات السماوية. أي ان النظام الماركسي رفض الايديولوجيا وجعل رفضه بحد ذاته (ايديولوجيا) لدولته أما إذا قصد بمصطلح المجتمع المدني ذلك المجتمع الذي يهتم بحياة الناس اليومية، ويكون متحررا من طبقة معينة يحكمها بإسم الايديولوجيا ومن ثم فهو يأخذ بعين الإعتبار آراء الناس واختيارهم. فهو امر جيد ومقبول لان الحديث الشريف يقول: (دع الناس يرزق الله بعضهم من بعض).

فالناس أحرار في اختيار امورهم اليومية أي مايرتبط بقضايا معيشتهم ولكن هنالك مجموعة من القيم لابد من التقيد بها من مثل جميع شعوب الأرض  بها سواءا كانت مؤمنة بالديانات السماوية أو غير مؤمنة. مثلا اعتماد مبدأ الصدق في التعامل التجاري، هذا المبدأ الذي دعت إليه الديانات السماوية فلا يقوم إقتصاد سليم من دون الإلتزام به. فالمجتمع المدني –مهما كان لونه- هو المجتمع الذي ينظم الجانب التجاري من حياته مؤمنا بهذه القيمة، وملتزما بها غير انه خارج اطار العيش فلا جمود، والناس احرار في اختياراتهم..

ومن يدعو إلى تغيير القيم فهو مخطيء، كما ان من يدعو إلى الجمود على الوسائل والطرق المتبعة فهو الآخر مخطيء أيضا. ان هنالك امور لا تقبل التغيير في الحياة، وكذلك امور لا تقبل الجمود فيها، وعلينا ان لا نخلط بينهما. فالقيم السماوية ثابتة، وكذلك حاجات الناس فمن اول انسان والى آخر انسان، هنالك حاجات اولية له لايمكن تجاهلها فشهواتنا ورغباتنا هي ثابتة وهي رغبات مشروعة ولكن لابد من تقييدها ضمن قواعد ثابتة لا تتغير ولا تتبدل.

فإذا كان المقصود بالمجتمع المدني هو ذلك المجتمع الذي لايتقيد بالأسس الأخلاقية والأصول والقواعد الحضارية، فهذا المجتمع لايمكن له ان يقوم كما انه لم يقم في التاريخ. لان الفوضى مرفوضة من قبل الجميع. اما إذا كان المقصود من المجتمع المدني هو ذلك المجتمع الذي لا تحكمه طبقة معينة من الناس ولا يتقيد بآراء قسم معين منهم وطريقتهم فهذا المجتمع مطلوب وهو المجتمع الذي دعت إليه الديانات السماوية على مر التاريخ. يقول النبي (ص): (انتم أعلم بأمور دنياكم). فما دامت القضية ترتبط بأمور (دنيانا) فان الديانات السماوية لا تتدخل فيها، فالدين لا يقول لي كيف ابني بيتي. ولكنه يقول لاتبن بيتك على ارض مغتصبة لانه حق غيرك. ابن بيتك كما تريد سواء من طابق واحد، أو طابقين، ولك الحق في اختيار نوعية الديكور اذ لا وجود لقواعد ثابتة في هذا المجال. ففي (امور دنياكم أنتم أعلم). لا بمعنى ان الله ورسوله لا علم لهم وانما بمعنى (دع الناس يرزق الله بعضهم من بعض).

انت إبن بيتك كما تريد وكما تشاء، ولكن تقيد بتلك الأصول والقواعد الأخلاقية والسنن السماوية التي تنظم حياة الناس.

 

س: يستعمل في ايران حديثا مصطلح المجتمع المدني ويضاف إليه (الإسلامي ) وقال البعض انه يقصد منه مجتمع مدينة النبي (ص)، فيما عارض آخرون استعمال مصطلح المجتمع المدني واختاروا مصطلح (المجتمع الولائي).. كيف تقيمون هذا الصراع بين المصطلحات؟

 

ج: اعتقد اننا في غنى عن إستيراد مصطلحات أجنبية في كافة أمورنا. لان لغتنا فيها من العمق والشمول ما يكفينا عن إستيراد مصطلحات في أي جانب من جوانب حياتنا. لقد وجدنا كيف ان الماركسيين حاولوا إستيراد مصطلحات (البرجوازية الصغيرة) و(البرجوازية الكبيرة) وماشابه ذلك وفشلوا، بينما مصطلحات مثل (المستضعفين) و(المستكبرين) و(الطاغوت) و(المحرومين) وما شابه ذلك، استطاعت ان تترك آثارا عميقة في حياة الناس فنحن في غنى عن استيراد مصطلحات أجنبية في كافة شؤون حياتنا، ولعل افضل مصطلح نستطيع ان نطلقه على ما نصبوا إليه هو مصطلح، (المجتمع الإسلامي) واذا كان هنالك استغلال لاسم الإسلام  من قبل البعض، فان هذا لا يمنعنا من التمسك بهذا المصطلح وغيره من المصطلحات التي جاء بها الإسلام  الكريم. نحن نستطيع ان لا نسميه شيئا وان نقول بناء (المجتمع). لكن ان نترك الإسلامي  لكي نأخذ بالمدني، فهذا خطأ كبير فلا يجوز ان نستورد مصطلحا معينا لكي نلغي مصطلحا من مصطلحاتنا الاساسية. فمصطلح (المجتمع المدني) إذا كان في مقابل (المجتمع الإسلامي ) فهو مرفوض عندنا. نحن نستطيع ان لا نسميه شيئا بان لا نصف المجتمع بشيء، لا (بالاسلامي) ولا (بالمدني).

نحن في غنى عن استيراد مصطلحات أجنبية في كافة شؤون حياتنا، ولعل افضل مصطلح نستطيع ان نطلقه على ما نصبوا إليه هو مصطلح، (المجتمع الإسلامي) واذا كان هنالك استغلال لاسم الإسلام  من قبل البعض، فان هذا لا يمنعنا من التمسك بهذا المصطلح وغيره من المصطلحات التي جاء بها الإسلام

السيد المدرسي

ولكن حينما نأتي بكلمة (المدني) في مقابل (الإسلامي ) فهذا خطأ. اما ما ذكرتم من ان المقصود بالمجتمع المدني، ذلك المجتمع الذي بناه رسول الله (ص) في المدينة المنورة، أي ذلك المجتمع الذي دخل بعد مجتمع مكة في طور جديد، فالنبي(ص) في مكة كان يعمل على بناء العقيدة بينما في المجتمع المدني كان يعمل من اجل بناء مجتمع يعيش فيه الناس داخل اطار اجتماعي له أصوله وقواعده ويعمل لبناء الحضارة وتنظيم الإقتصاد وماشابه ذلك، مثل هذا المعنى لا مانع منه، ولكنه لا يعبر عما نحتاج إليه نحن في مجتمعاتنا. انا لا أعتقد ان بناء الحضارة يبدأ من تغيير المصطلحات أو تغيير الحروف، كما فعله أتاتورك في تركيا، أو تبديل المصطلحات العربية إلى مصطلحات خاصة بقومية معينة لان ذلك لا يحل لنا مشكلة ولا يبني لنا حضارة  ان بناء الحضارة يبدأ من تأسيس القواعد الحضارية مع قطع النظر عن الأسماء والمصطلحات. وما نحتاج إليه هو الأمر  الاول لا الثاني.. ونحن في غنى عن شن حرب المصطلحات على كل حال.

 

متابعة القسم الثاني من الحوار في الصفحة التالية >>>>>>>>>>