قائمة المقالات

قائمة الحوارات
 


 

 العنوان: سقوط الإتحاد السوفيتي.. الدرس الأخير

مقالة بقلم سماحة السيد هادي المدرسي حول سقوط الإتحاد السوفييتي و ما يعني ذلك بالنسبة إلى العالم الإسلامي - كتب في سنة 1998

بقلم: السيد هادي المدرسي

لا يمكن المرور على حادث سقوط الإتحاد السوفيتي مرور الكرام، ليس فقط لأن التاريخ لم يشهد أن تتقوقع إمبراطورية مترامية الأطراف، ثم تنهار من دون حرب خارجية، ولا ثورة داخلية، ولا غزو أجنبي، بل لأن هذا السقوط له أسبابه الطبيعية وعلله المنطقية.. ولذلك فهو يمكن أن يتكرر في أماكن أخرى.
ومن جهة أخرى فإن شظايا سقوط تلك الإمبراطورية سوف تصيب كثيرا من الدول والأمم، ولو أننا اعتبرنا الإتحاد السوفيتي مجرد بناية من عشرين طابق فقط، فإن انهيارها لابد وأن يصيب الجيران كما يصيب الذين كانوا يعيشون فيه.
إن البعض يرى أن سقوط الإتحاد السوفيتي إنما جاء بسبب تدهور الوضع الإقتصادي، وفي ذلك بعض الحقيقة وليس كلها.
إن علينا أن نأخذ بعين الاعتبار كيف كانت النظرة في الخمسينات للاتحاد السوفيتي على أنه قوة عظمى إقتصاديا وكان في ذلك بعض المبالغة، غير أن إقتصاد الإتحاد السوفيتي في السبعينات وبداية الثمانينات لم يكن - حسب تقدير وكالة المخابرات المركزية - مليئا بالثقوب، فعندما تقلد غورباتشوف السلطة كانت تقديرات وكالة المخابرات المركزية أن الإتحاد السوفيتي ظل ينمو بمعدل 2.1% في الفترة من عام 1975م إلى عام 1985م وهو معدل أبطأ قليلا من مثيله الأمريكي، على امتداد الفترة نفسها، ومقداره في أمريكا 2.9%.
وفي أواسط الثمانينات كان يحقق الإتحاد السوفيتي نجاحا أكبر في عام 1983 حيث سجل معدل نمو مقداره 3.3%، وفي العام 1985/ كان أداءه أفضل من ذلك، فقد بلغ نموه 4.3% ولم تكن هنالك أية علامات على الإنهيار، إما المشكلات الإقتصادية التي برزت فيما بعد ولا تزال، فكلها نشأت في عهد ميخائيل غورباتشوف وخلفه، وليس قبل ذلك أبدا.
فما هو السر في سقوط الإتحاد السوفيتي؟ وما هي الآثار والدروس والعبر؟
وفي الحقيقة فإنه قد تمر فترة زمنية غير قصيرة قبل أن تكتمل الصورة كلها حول أسباب سقوط الإتحاد السوفيتي، إنما هنالك مجموعة نقاط لابد من أخذها بعين الاعتبار في هذا المجال.
أولا- إن الإتحاد السوفيتي سقط عندما تحول إلى إمبراطورية مترامية الأطراف، مما يعني أن تضخم الدولة إنما هو كتضخم الأجرام السماوية، لا يعني أبدا قدرتها على البقاء بل قد يكون نذير شؤم، وعلامة من علامات السقوط.
إن الإمبراطوريات لابد أن تنتهي في يوم من الأيام. وذلك درس واضح من دروس التاريخ، وقد ظهر ذلك جليا في سقوط الإمبراطورية الرومانية، ثم الإمبراطورية الأموية، ثم الإمبراطورية العباسية، ثم الإمبراطورية العثمانية، ثم الإمبراطورية البريطانية وأخيرا الإمبراطورية السوفياتية.
إن الإمبراطورية حينما تنتهي حياتها تصبح ضخمة، لأن القدرة على إدارتها تتناقص، وإمكانية ضبط تناقضاتها تصبح ضئيلة. فالإمبراطورية تصبح مهترئة، وحينئذ لايمكن ترقيعها، لأن الإهتراء سيكون بحجمها، وسعتها، وانتشارها، وقوتها، وضخامتها.وفي المفردات نجد أن ميخائيل غورباتشوف أضعف سلطة الجهاز القديم للتخطيط المركزي، لأنه أراد أن يجدده، ولكنه بدل التجديد خلق ثقوبا فيه مما أدى إلى إضعاف سلطة الجهاز القديم، وخلق أوضاعا استحال معها العودة إلى الماضي، فما أن فتح الباب أمام التغيير حتى تمزق النظام، لا على يد غورباتشوف بل على أيدي آلاف المواطنين السوفيت الذين أصبحوا ببساطة غير مستعدين للتعاون مع غورباتشوف، وعندما تلاشى تعاونهم الطوعي مع النظام القديم تلاشى النظام نفسه. وحتى لو كان قادة الإنقلاب غير الموفق في العام 1991م، قد نجحوا في مهمتهم فإن قدرتهم على إعادة الشيوعية القديمة لم تكن لتزيد على قدرة أيّ نظام يسقط، من أن يندفع مرة أخرى بقوة.
إن البعض يرى من نواح كثيرة في تراجع الشيوعية غموضا، ويضربون مثالا لذلك بتراجع جنكيز خان عن غزو أوربا منذ أكثر من سبعمائة وسبعين عاما، ويقول هؤلاء أنه عندما كان جنكيز خان على وشك أن يغزو أوربا فإنه استدار واختفى في آسيا الوسطى من دون سبب وجيه، ويعتقدون أن الاختفاء المفاجئ للشيوعية لا يقل غموضا عن اختفاء (جنكيز خان). ففي الوقت الذي كان الغرب يتوقع حربا نووية، وربما غزوا سوفيتيا لجيرانه ومن ثم للعالم، وإذا بالشيوعية تنهار في الإتحاد السوفيتي.
لكنني أعتقد أنه لا يوجد هنالك غموض، لأن البروز المفاجئ للشيوعية، والذي أعتبر في وقته من مفاجئات التاريخ، هذا البروز كان يتطلب سقوطا مماثلا له فيما بعد لأسباب كامنة في النظرية والتطبيق معا.
ثانيا- لقد سعى غورباتشوف إلى إصلاح الإمبراطورية السوفيتية من أجل إنقاذها، لكن الإمبراطورية ذاتها لم تكن تتحمل الإصلاح، فقد حاول غورباتشوف انتشال الشيوعية، ولم يكن يحاول دحرجتها كما ظن بعض الغربيين، إلا أن مهمة انتشالها كانت قضية عصيّة على التحقق، لأن مثل تلك الإمبراطورية لم تكن جذورها سليمة، وحينما يريد الإنسان إصلاح شجرة جذورها فاسدة، فإن تقطيع الأوصال أو القيام بأي عمل فيها يؤدي إلى سقوطها.
ثالثا- إن النظام السوفيتي كان نظاما كافرا، ولأنه كان كذلك فقد كان نظاما يتناقض مع أهم القيم: وهي قيمة الإيمان، وقيمة الحرية، وهكذا فإن الإمبراطورية الروسية قامت على أساس الاستئثار، وبنيت على القوة والإكراه، وتحولت روسيا في ظل النظام الشيوعي، وفي ظل مسيرة بناء إمبراطوريتها، إلى المعتدي والضحية معا، فهي بينما استعبدت الآخرين قد عزلت واستعبدت ذاتها أيضا، ولقد كان أمرا واقعيا أن تسعي شعوب الإتحاد السوفيتي إلى التحرر من قبضة السيطرة الإستئثارية، لتزيل من دفة الحكم السلطات الشيوعية في موسكو التي ما برحت تتحكم في مصائر الأمم.
ولا ننسى هنا قوة الإيمان ودورها في انتزاع الحرية للشعوب من النظام السوفيتي، فمثلا كان الخطأ الذي إرتكبه السوفيت في غزو أفغانستان، وفشلهم في إقامة نظام شيوعي فيها، حيث جوبهوا بمقاومة دينية في جذورها، بالرغم من الإمكانيات الضحلة التي كان يملكها الأفغان في تلك الفترة من التاريخ.. كان هذا الخطأ بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.
صحيح أن التاريخ قلّما شهد سقوط إمبراطورية واسعة الانتشار، دون حرب، ولا ثورة ولا غزو خارجي، لكن الثورة كانت موجودة في الداخل، وتتفاعل مع النفوس، وبمجرد أن تسربت الثورة إلى مستوى القمة، بانهيار النظام كله.
رابعا- إن نجاح الإتحاد السوفيتي في كثير من المناطق، كان يتطلب التغيير لأنه ليس الفشل وحده هو الذي يقتضي التغيير، بل النجاح أيضا يطلبه، ومن هنا كان لابد من وقوع تغيير ما في تلك المنطقة بعد النجاحات الكبرى التي حققها الإتحاد السوفياتي، ولأن الحكم كان مطلقا، والحزب الشيوعي كان يحسب على الناس أنفاسهم، فلم يكن التغيير ممكنا، كما هو الحال في البلاد التي لا تعاني من الديكتاتورية، فكان التغيير الوحيد الممكن هو في تغيير النظام برمّته.
إن كثيرين يبحثون في فهم إنهيار الإتحاد السوفيتي، عن الفشل هنا أو هناك لكي يقولوا أن هذا الفشل هو سبب إنهيار الإتحاد السوفيتي، ولكنني أعتقد أنه يجب علينا أيضا أن نبحث عن النجاح الذي أدى إلى ذلك التغيير، فالنجاح يولّد ظروفا جديدة،وتلك الظروف الجديدة تقتضي مؤسسات مختلفة، وإجراءات تشغيل مختلفة، فإذا كانت البلاد توجد فيها إمكانية إقامة المؤسسات المختلفة وإجراءات تشغيل متفاوتة من دون تغيير النظام، فإن النجاح يعمل في بطئ لتغيير الظروف التي تعمل في ظله. أمّا إذا لم يكن ذلك ممكنا فالتغيير يأتي للنظام كله.
مع التنبيه إلى أن سبب إنهيار الإمبراطورية السوفيتية لم يكن هو النجاح وحده، فالنجاح في كثير من البلاد حمّل الإتحاد السوفيتي كثيرا من العبئ، ولكن كان هنالك أنواع من الفشل أيضا، كالفشل في تأمين الحاجيات الاستهلاكية اليومية للناس، والفشل في تحقيق آمالهم.
وهكذا فإن الفشل من جهة، والنجاح من جهة أخرى، كلاهما أدى إلى إنهيار الإتحاد السوفيتي.
وهنا مجموعة من الحقائق لابد من أخذها بعين الإعتبار، ونحن بصدد استخلاص العبر والدروس من هذا الحدث التاريخي الهام.
الحقيقة الأولى- أن روسيا لم تختر الحرب، لأنها أساسا لم تخض حربا على مستواها مع امتدادها ومن ثم فإن "الدب" لم يقضى عليه في الغابة.لقد أصدر الرئيس الأمريكي الأسبق، "رونالد ريغان" بيانا في خريف عام 1984م قال فيه:   "هنالك دب سائب في الغابة. بعض الناس يسهل عليهم أن يروه، وبعض الناس لا يرونه على الإطلاق، وبعض الناس يرون أن الدب أليف، وغيرهم يقولون إنه ضار وخطير، ولمّا كان من الصعب أن نعرف أيهم على صواب؟ إلا يكون من الفطنة أن تكون قوتنا مساوية لقوة الدب إن كان للدب وجود؟! ".
لقد كان الدب الروسي يثير القلق في معظم نصف القرن الأخير، لدى الدول الرأسمالية بشكل عام، والولايات المتحدة الأمريكية وأوربا بشكل خاص. وفي أواخر الأربعينات بدا وكأن الدب السوفيتي، وبمؤازرة من التنين الصيني الذي كلل حديثا بالنصر، يريد أن يغزو العالم، وكان إنشاء حلف شمال الأطلسي، وإعادة تسليح اليابان وألمانيا الغربية، والحرب الكورية كلها جهودا ترمي من الغرب إلى احتواء الدب والتنين "السائبين" في الغابة حسب تعبير الغربيين.وفي الخمسينيات كانت القدرات الإقتصادية والتكنولوجية للدب السوفيتي تبدو مضاهية لقوته العسكرية، وفي الخمسينيات كان ر ينمو بمعدل أسرع من الولايات المتحدة الأمريكية، ولو أن الحالة استمرت على هذا المنوال لكان إجمالي الناتج القومي السوفيتي قد تفوق على مثيله الأمريكي في العام 1984م.
ولم يكن الاحتواء مشكلة تقتصر على أوربا الشرقية، ففي العالم الثالث كانت الشيوعية المستندة إلى النجاح الإقتصادي للاتحاد السوفيتي ينظر إليها بنطاقها الواسع بإعتبارها النموذج الوحيد للتنمية الإقتصادية، وكانت كوبا الشيوعية على بعد تسعين ميلا فقط من الولايات المتحدة هي موجة المستقبل.وعندما قرع نيركيتا خريشوف الطاولة في الأمم المتحدة بحذائه، وهدد بدفن الرأسمالية عسكريا وتكنولوجيا واقتصاديا، أخذه الجميع مأخذ الجد، وبدا وكأن ذلك يحدث بالفعل، وقد دارت حملة جون كنيدي في عام 1960م للفوز بالرئاسة، حول دفع عجلة البلاد إلى الدوران من جديد على جميع الجبهات عسكريا وتقنيا واقتصاديا في مدار أقوى وأوسع.وعندما أقيم "سور برلين" ونشبت أزمة الصواريخ الكوبية بعد انتخاب (كنيدي) بوقت قصير بدا "الدب" في مطلع الستينات أضخم مما كان في أيّ وقت، وفي أوساط العقد أكتشف الرئيس (ليندون جونسون) وليداً جديداً للتنين الصيني في الأدغال وهي "فيتنام الشمالية"، وطيلة الأعوام العشرة التالية استحوذ وليد التنين على اهتمام أمريكا ومواردها. وبناء على ذلك ضاعفت الإدارة الأمريكية ميزانية الولايات المتحدة العسكرية في النصف الأول من الثمانينات، فقد بدا أنه لابد من برنامج ضخم لحرب النجوم بتقنية رفيعة للسيطرة على "إمبراطورية الشر" حسب تعبير الرئيس الأمريكي الأسبق.وفجأة اختفى الدب، وتحطم سور برلين، وتوحدت ألمانيا الشرقية والغربية، ودخلت الرأسمالية إلى بلدان وسط أوربا التي كانت شيوعية فيما سبق، وانسحب الجيش الأحمر إلى الشرق وألغى حلف وارسو.. وتفتت الإتحاد السوفيتي إربا إربا، وانتهت الشيوعية في أوربا وهي مسقط رأسها.واندحرت الشيوعية.والسؤال هو: هل خسر الروس كل شيء؟!.

والجواب بالطبع: لا.إن روسيا لم تخسر الحرب الباردة، لقد خسرها الشيوعيون، فليس لأمريكا أو الغرب أيّ فضل في سقوط الإمبراطورية السوفيتية، وإنما كل الفضل يعود إلى إنهيار النظام الشيوعي في تلك البلاد.ربما كانت لسياسة الإحتواء الغربية للنظام السوفيتي تأثيرات جانبية مهمة في سقوطه، لكن الضربة القاضية وجهت للشيوعية السوفيتية من قبل الجماهير والناس في تلك البلاد، ومن هنا فلا يمكن النظر إلى الروس بإعتبارهم مهزومين ومن ثم يمكن فرض كل الشروط المطلوبة عليهم.فمن الناحية العسكرية لاتزال روسيا واحدة من أقوى الدول في العالم، ويعتقد الخبراء أنه إذا نجح الروس في إصلاح نظامهم الإقتصادي والسياسي، فإن روسيا ستبلغ ثانية وفي غضون جيل واحد مصاف القوة العظمى من جديد.فروسيا الآن تملك ألوفا من القنابل النووية، وعندها عشرات من منشآت الطاقة الذرية، والعشرات من المستودعات الكيماوية وربما البيولوجية مما لايعد ولا يحصى، وروسيا أيضا بلد غني بمصادرها الطبيعية، وهي ليست بالطبع دولة فقيرة من حيث الموارد، فإن سيبريا وحدها تضم أكثر من سدس ذهب العالم، وخمس البلاتنيوم العالمي، وثلث حديد العالم، وحوالي ربع ما هو موجود في العالم من خشب، كما أن روسيا أيضا غنية بمواردها البشرية، وفيها واحد وثلاثون جمهورية أعلن جميعها استقلالها وسيادتها، وفيها مائة واثنان وثلاثون موهبة مختلفة.

ثم إن إنهيار الإتحاد السوفيتي لم يكن كله إيجابيا، فمن جهة أن الشيوعية التي زرعت في عقول الروس سبعين عاما تركت آثارها في نفوسهم، وبات من غير السهل بعد غسيل الدماغ الروسي بالشيوعية على هذه المدة، وليس من الممكن محو ذلك في سنة أو خمس سنوات أو حتى عشر سنوات، ومن هنا فإن بعض الآثار تبقى موجودة حيث أن طبقة السياسيين مثلا لا تخاف الله، والعصابات تنتشر في كل مكان وتنهب وتقتل، ومعدل الجريمة أخذ يزداد بشكل جنوني برغم أن هذا المعدل لم يزل أقل من معدلها في العاصمة الأمريكية واشنطن. دى سى، وارتفعت نسبة جرائم إستخدام السلاح الناري إلى أكثر من مائتين وخمسين بالمائة، بالإضافة إلى أن الإمبراطورية التي إنهارت تحولت إلى أجزاء، وكل جزء منها يمكن يكون قنبلة موقوتة، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار وجود قوميات مختلفة وصراعات مزمنة فيما بينها كذلك، والموروث السوفيتي الشنيع في المركزية المطلقة، والشعوب التي تفتقر إلى أن تتعلم كيف تتعايش، والمظالم العرقية، والتخوف من حدوث حروب أهلية في دولة تملك الألوف من القنابل النووية.
وبالنسبة لنا، ما يجب أن نفهمه هو: أن نفهم الإيجابيات والسلبيات، والمخاطر والمنافع لما حدث وعلى الأخص ما يرتبط بالدول الإسلامية التي كانت تحت نير الشيوعية في الإتحاد السوفيتي، وأيضا إحتمال الردة إلى الشيوعية، وهو إحتمال وارد وإن لم يكن قويا، حيث أن خيبة الأمل في التحول إلى الرأسمالية تساوي خيبة أمل الناس من النظام الشيوعي، ومن هنا فانه لم يكن عجيبا أن تنجح الأحزاب الشيوعية في كسب الكثير من الآراء في البرلمان الروسي، مما يعني أن الحزب الشيوعي قد يشكل مع طرف أو آخر تحالفا ويعود، ليس إلى الحكم بالشكل السابق، ولكن على الأقل كما كان الحزب الشيوعي في فرنسا أي أن يلعب دورا أساسيا في تلك البلاد.
وهنالك أيضا خطر من الحركات القومية المتطرفة، وهي في خطورتها تضاهي الحركات القومية المتطرفة في ألمانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية، وباعتبار قرب المنطقة من الشرق الأوسط، فإن تأثير تلك الحركات سيكون تأثيرا خطيرا.
ثم هنالك الإحتمال الآخر وهو إمكانية أن تتحول روسيا إلى قمر يدور في الفلك الغربي، الأمر الذي تسعى إليه أمريكا بكل جهدها إلى درجة أنها تريد ضم روسيا إليها.
يقول الرئيس الأمريكي الأسبق (نكسون) - وهو يبرر لماذا يجب على أمريكا أن تؤيد (يلتسين): "يتميز يلتسين بأنه الزعيم الأكثر تأييدا للأمريكان عبر سفر التاريخ الروسي كله، وهو في أحايين معينة أكثر دعما لأمريكا من صنيعه في الداخل، وسيخوض أيّا من حلفائه فترة عصيبة في نهجهم ذات السياسة الخارجية المعتدلة". ويضيف: "وأن من الأهمية بمكان أن لا نضع (يلتسين) وإدارته ومن سيأتي بعده كحلفاء له، في موقف يظهرهم تابعين للسياسة الخارجية الأمريكية، فهذا سيصيب فرصة تحالفهم معنا بضرر لايمكن إصلاحه".
ويضيف: "لقد أنجبت ثورة الديمقراطية فرصة تاريخية نادرة قادرة على ضم موسكو إلى مجموعة الدول الغربية وقيادتها، بعيدا عن ماضيها الإستئثاري، إن أمامنا الآن مصلحة حيوية في تعزيز الإستقرار في روسيا، وفي دعم استقلال جمهوريات الإتحاد السوفيتي، إن بعض المراقبين يجادل في ضرورة مساعدة روسيا، ويشكك في منفعة ذلك لنا نحن الأمريكيين، ويقول هؤلاء أن موسكو قد تعاود الظهور ثانية كعدو إستراتيجي يميني، وليس كعدو يساري هذه المرة، غير أن بوسع أي دولة قوية أن تغدو خصما محتملا كنتيجة لتغيير في قيادتها، أو لأي تطور مفاجئ آخر، بيد أن بناء سياستنا على أساس طوارئ الأحداث يتطلب منا عنصر التهكمية الذي من شأنه خرق أعراف السياسة الخارجية الأمريكية. إن روسيا ستغدو لا محالة قوة عظمى مرة ثانية والتساؤل الوحيد هو: هل ستكون روسيا القوية صديقة أم عدوة للغرب، ومن جانبنا ستحتم علينا أن لا نبخل بشيء وأن نجعل منها الصديقة".
ونحن نعرف إن كلمة "الصديقة" تعني لدى الأمريكيين، أن تكون روسيا قمرا يدور في فلك الولايات المتحدة الأمريكية.
إن على العالم الإسلامي الإهتمام بالجمهوريات المستقلة، ومد جسور التعاون إليها، والدخول معها في شراكة حقيقية على مختلف الأصعدة.
إن من مصلحة العرب والمسلمين ومصلحة العالم أيضا أن يسود الإستقرار في هذه المنطقة، والتعاون ما بين دولها، وأن نمنع من حدوث أية مجابهات سواء بسبب الحدود أو بسبب الإختلاف العرقي أو المذهبي أو ما شابه ذلك. وفي هذا الأمر مصلحة الشعوب، لأن الذين تخلصوا من الشيوعية هم بحاجة إلى استرداد هويتهم من جهة، وبحاجة إلى معرفة التعايش مع الشعوب المجاورة من جهة أخرى. كما أنهم بحاجة إلى مساعدات تقنية وإقتصادية، فالمنطقة على كل حال غنية بمواردها الطبيعية البشرية، والناس يتوقون إلى العودة إلى الذات، ومعرفة الإمكانيات المتاحة في بلادها والتمسك بدينها.